فضل تلاوة القران برمضان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ الذي خصَّ بالفضلِ والتَّشرِيفِ شهرَ رمضانَ، وأَنزلَ فيه القرآنَ هُدى للناسِ وبيِّناتٍ من الهدى والفُرقانِ، وخَصَّهُ بالعفو والغفرانِ، واخْتَصَّ منِ اصطَفاهُ بفضلٍ منه وامتنانٍ، وأيقَظَ بالوعظِ من وفَّقهُ في هذا الموسم العظيمِ الشأنِ.
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ ذُو الفضلِ والإحسانِ. وأشهدُ أن محمدًَّا عبدهُ ورسُولهُ سيدُ ولدِ عَدنانِ، صلّى اللهُ عليه وعلَى آلِهِ وأصحابِهِ وسلّم تسليمًا كَثيرًا.
في الصحيحين عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضان حين يلقاهُ جبرائيلُ، فيدراسهُ القرآن، وكان جبرائيل يلقاه كلَّ ليلةٍ من شهر رمضان فيدارسُهُ القرآن، فلرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يلقاه جبرائيل: أجودُ بالخير من الريح المرسلة» ورواه أحمد وزاد «ولا يُسأل شيئًا إلا أعطاه» وللبيهقي عن عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل رمضانُ أطلق كُلَّ أسيرٍ وأعطى كُلَّ سائل» .
«الجودُ» هو سعة العطاء وكثرتُه. والله تعالى يوصفُ بالجود، فروي الترمذيُّ عن سعد بن أبي وقّاصٍ، رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله جوادٌ يحب الجود، كريمٌ يُحبُّ الكرم» .
وعن الفضيل: إن الله تعالى يقول كلَّ ليلة: أنا الجوادُ ومني الجودُ، وأنا الكريمُ ومني الكرم.
فالله سبحانه: أجود الأجودين، وجوده يتضاعف في أوقات خاصة كشهر رمضان، وفيه أنزل قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} .
ولما كان الله تعال جبل نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - على أكمل الهيئات وأشرفها، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس على الإطلاق، كما أنه أفضلهم وأشجعهم وأكملهم في جميع الأوصاف الحميدة، وكان جودُه يجمع أنواع الجود، وكان جودُه - صلى الله عليه وسلم - يتضاعف في رمضان على غيره من الشهور. كما أن جود ربَّه يتضاعف فيه أيضًا.
وكان - صلى الله عليه وسلم - يلتقي هو وجبريل في شهر رمضان، وهو أفضل الملائكة وأكرمهم، ويدراسه القرآن الذي جاء به إليه، وهو أشرف الكتب وأفضلها وهو يحث على الإحسان ومكارم الأخلاق، وقد كان هذا الكتاب الكريم له - صلى الله عليه وسلم - خلق، بحيث يرضى لرضاه ويسخط لسخطه، ويسارع إلى ما حث عليه. ويمتنع عمَّا زجر عنه. فلهذا كان يتضاعف جوده، وإفضاله في هذا الشهر، لقرب عهده بمخالطة جبرائيل، وكثرة مدارسته له
هذا الكتاب الكريم، الذي يحث على المكارم والجود. ولا شك أن المخالطة تؤثر وتورث أخلاقًا من المخالط.
وفي تضاعف جوده - صلى الله عليه وسلم - في رمضان بخصوصه فوائدُ كثيرةٌ، منها: شرف الزمان ومضاعفةُ أجر العمل فيه؛ وفي الترمذي عن أنس مرفوعًا: «أفضلُ الصدقةِ صدقةُ رمضانَ» . ومنها: إعانةُ الصائمين والذاكرين على طاعتهم، فيستوجبُ المعينُ لهم مثل أجورهم، كما أن من جَهَّز غازيًا فقد غزا. ومن خلفَه في أهله بخير فقد غزا.
وفي حديث زيد بن خالدٍ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من فطر صائمًا فله مثلُ أجره، من غير أن ينقص من أجر الصائم شيءٌ» رواه أحمد والترمذي. ورواه الطبراني عن عائشة رضي الله عنها، وزاد: «وما عمل الصائمُ من أعمال البرِّ إلا كان لصاحب الطعام، ما دامت قوةُ الطعام فيه» .
وفي حديث سلمان المتقدم، في فضل شهر رمضان: «وهو شهرُ المواساة، وشهرٌ يزادُفيه: رزق المؤمن، من فطر فيه صائمًا كان مغفرةً لذنُوبِه، وعقتًا لرقبته من النار، وكان له مثل أجره، من غير أن يُنقصَ من أجرِ الصائِم شيءٌ» قالوا: يا رسول الله، ليس كلُّنا يجد ما يفطِّرُ الصائم، قال: «يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائمًا، على مذقة لبن، أو تمرةٍ، أو
شربة ماءٍ؛ ومن سقى فيه صائمًا سقاه الله من حوضي
شربةً لا يظمأُ بعدها حتى يدخلَ الجنة» .
ومنها: أن شهرَ رمضان شهرٌ يجودُ اللهُ فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، لا سيما في ليلة القدر. والله تعالى يرحمُ من عباده الرحماءُ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنما يرحمُ اللهُ من عباده الرحماءُ» ، فمن جاد على عباد الله، جاد اللهُ عليه بالعطاء والفضل، والجزاءُ من جنس العمل.
ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة، كما في حديث علي رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن في الجنة غُرفًا يُرى ظهورُها من بطونها، وبطونُها من ظهورِها» قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: «لمن طَيَّبَ الكلامَ، وأطعمَ الطعامَ، وأدامَ اصيامَ، وصلَّى بالليلِ والناسُ نيام» .
وهذه الخصالُ كلُّها تكونُ في رمضان، فيجتمع فيه للمؤمن الصيام والقيام والصدقة، وطيب الكلام، فإنه ينهى فيه الصائم عن اللغو والرفث، والصلاة والصيام والصدقة: توصلُ صاحبها إلى الله - عز وجل -.
قال بعض السلف: الصلاة توصل صاحبها إلى نصف الطريق، والصيام يوصله إلى باب الملك، والصدقةُ تأخذُ بيده، فتدخلهُ على الملك.
وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أصبح منكم اليوم صائمًا؟ قال أبو بكرٍ:
أنا، قال: من تَبعَ منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكرٍ أنا، قال: من تصدقَ بصدقةٍ؟ قال أبو بكرٍ: أنا، قال: من عاد منكم مريضًا؟ قال أبو بكرٍ: أنا، قال: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة» .
ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة أبلغُ في تكفير الخطايا، واتقاء جهنم، والمباعدة عنها، خصوصًا إن ضُمَّ إلى ذلك قيام الليل، فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الصيامُ جُنةُ أحدِكم من النار، كَجُنَّتِهِ من القتال» ، ولأحمد أيضًا: عن أبي هريرة مرفوعًا: «الصومُ جُنَّةٌ وحصنٌ حصين من النار» .
وفي حديث معاذٍ رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماءُ النارَ. وقيامُ الرجلِ في جوفِ الليل» يعني: أنه يطفئ الخطيئة أيضًا، صرح به أحمد. وفي الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «اتقوا النار ولو بِشقِّ تمرةٍ» كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: صلُّو في ظلمة الليل ركعتين لظلمة القبور، صوموا يومًا شديدًا حرَّهُ لحرِّ يوم النشور، تصدقوا بصدقة السرِّ لهول يوم عسير.
ومنها: أن الصيام لا بدّ أن يقع فيه خللٌ ونقصٌ، وتكفيرُ الصيام للذنوب، مشروطٌ بالتحفظ مما ينبغي أن يُتحفَّظَ منه، كما في حديث أخرجه ابنُ حبان، وعامةُ صيام الناس: لا
يجتمع في صومه التحفظ كما ينبغي، ولذا نهى أن يقول
أنا، قال: من تَبعَ منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكرٍ أنا، قال: من تصدقَ بصدقةٍ؟ قال أبو بكرٍ: أنا، قال: من عاد منكم مريضًا؟ قال أبو بكرٍ: أنا، قال: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة» .
ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة أبلغُ في تكفير الخطايا، واتقاء جهنم، والمباعدة عنها، خصوصًا إن ضُمَّ إلى ذلك قيام الليل، فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الصيامُ جُنةُ أحدِكم من النار، كَجُنَّتِهِ من القتال» ، ولأحمد أيضًا: عن أبي هريرة مرفوعًا: «الصومُ جُنَّةٌ وحصنٌ حصين من النار» .
وفي حديث معاذٍ رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماءُ النارَ. وقيامُ الرجلِ في جوفِ الليل» يعني: أنه يطفئ الخطيئة أيضًا، صرح به أحمد. وفي الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «اتقوا النار ولو بِشقِّ تمرةٍ» كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: صلُّو في ظلمة الليل ركعتين لظلمة القبور، صوموا يومًا شديدًا حرَّهُ لحرِّ يوم النشور، تصدقوا بصدقة السرِّ لهول يوم عسير.
ومنها: أن الصيام لا بدّ أن يقع فيه خللٌ ونقصٌ، وتكفيرُ الصيام للذنوب، مشروطٌ بالتحفظ مما ينبغي أن يُتحفَّظَ منه، كما في حديث أخرجه ابنُ حبان، وعامةُ صيام الناس: لا
يجتمع في صومه التحفظ كما ينبغي، ولذا نهى أن يقول
وقام فأعطاه السائل، فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الجفنة، فيصبح صائمًا ولم يأكل شيئًا.
واشتهى بعض الصالحين طعامًا، وكان صائمًا فوضع بين يديه وهو صائمٌ، فسمع قائلاً يقول: من يقرضُ المليء الوفيَّ؟ فقال: عبده المعدمُ من الحسنات، وأخذ الصحفة فخرج بها إليه وبات طاويًا.
وجاء سائلٌ إلى الإمام أحمد: فدفع إليه رغيفين كان يعدُّهما لفطره، ثم طوى وأصبح صائمًا. وكان الحسن يُطعمُ إخوانه وهو صائمٌ، ويجلسُ يروِّحُهمُ، وهمُ يأكلون.
وله فوائدُ أخرُ. قال الشافعيُّ رحمه الله: أحبُّ للرجل الزيادة بالجود في رمضان، اقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثيرٍ، منهم، بالصوم والصلاة عن مكاسبهم.
ودل الحديث أيضًا: على دراسة القرآن في رمضان، والاجتماع على ذلك، وعرض القرآن على من هو أحفظ له منه. وفيه دليلٌ على استحباب الإكثار، من تلاوة القرآن، في شهر رمضان.
وفي حديث فاطمة: أنه أخبرها: «أن جبرائيل كان يعارضه القرآن كُلَّ عامٍ مرَّةً، وأنه عارضه في عام وفاته مرتين» ، وفي حديث ابن عباس: «أن المدارسة بينه وبين جبرائيل: كانت ليلاً» .
فدلَّ على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاً، فإن الليل تنقطعُ فيه الشواغلُ، وتجتمعُ فيه الهممُ، ويتواطأ فيه القلبُ واللسانُ على التدبر، كما قال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} .
وشهرُ رمضان: له خصوصيةٌ بالقرآن، كما قال تعالى:
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} وقال ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما: إنه أُنزل جُملةً واحدةً من اللوح المحفوظ، إلى بيت العزة في ليلة القدر.
ويشهدُ لذلك قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} وقولهُ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بُديءَ بالوحي، ونزل عليه القرآن في شهر رمضان؛ وقد كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُطيلُ القراءة في قيام رمضان بالليل، أكثر من غيره.
وقد صلَّى معه حذيفة ليلة في رمضان «فقرأ بالبقرة، ثم النِّساء، ثم آل عمران، لا يمرُّ بآية تخويفٍ إلا وقف وتعوذ، ولا بآية رحمةٍ إلا وقف وسأل، فما صلى ركعتين حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة» رواه أحمد والنسائي. وعنه: أنه «ما صلى إلا أربع ركعات» .
وكان عُمر رضي الله عنه: أمر أبيَّ بن كعب، وتميمًا الداريَّ، أن يقوما بالناسِ في شهر رمضان، فكان القارئ
يقرأ بالمائتين في الركعة، حتى كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام، وما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر؛ وفي رواية: أنهم كانوا يربطون الحبال بين السواري، ثم يتعلقون بها.
وروي أن عمر جمع ثلاثة قراء، فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ بالناس بثلاثين، وأوسطهم بخمس وعشرين، وأبطأهم بعشرين.
ثم كان في زمن التابعين: يقرؤون بالبقرة في قيام رمضان، في ثمان ركعات. فإن قرأها في اثنتي عشرة، رأوا أنه قد خفف.
وسئل أحمدُ: عما روي عن عمر، في السريع في القراءة، والبطئ؟ فقال: في هذا مشقَّةٌ على الناس، ولا سيما في هذه الليالي القصار، وإنما الأمرُ على ما يحتملهُ الناسُ.
وقال أحمدُ لبعض أصحابه، وكان يصلي بهم في رمضان: هؤلاءِ قوم ضعفاءُ، اقرأ خسمًا، ستًا، سبعًا، قال: فقرأتُ، فختمت ليلة سبع وعشرين.
روي عن الحسن: أن الذي أمره عمر أن يصلي بالناس: كان يقرأ خمس آيات، ست آياتٍ. فكلامُ أحمد يدل على أنه في القراءة: يراعي حال المأمومين، فلا يشق عليهم، وقاله غيره من الفقهاء.
وروى أهل السنن عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قام بهم إلى ثُلُثِ الليل، ومرةً إلى نصفِ الليل قالوا: لو نفَّلتنا بقية ليلتنا؟ فقال: «إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف: كُتب له بقيةُ ليلته» .
فدل: على أن قيام ثُلُثِ الليل أو نصفه يُكتبُ به قيامُ ليلةٍ، لكن مع الإمام. وكان أحمد يأخذ بهذا الحديث، ولا ينصرفُ حتى ينصرف الإمام. وقال بعضُ السلف: من قام نصف الليل فقد قام الليل.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: «من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة يةٍ كُتب من القانتين، ومن قام بألف كُتب من المقنطرين» رواه أبو داود. ويروى من حديث تميمٍ وأنس مرفوعًا: «من قرأ بمائة آيةٍ كتب له قيامُ ليلة» وفيهما ضعف.
ومن أراد أن يزيد في القراءة ويُطيل، وكان يصلي لنفسه، فليطول ما شاء، وكذلك من صلى بجماعة يرضون بصلاته. وكان بعض السلف: يختمُ في قيام رمضان، في كل ثلاث ليالٍ، وبعضهم في كل سبعٍ، وبعضُهم في كلِّ عشرٍ.